ويُعد “فيرست ريبابليك بنك” ثالث بنك أميركي يفشل خلال أقل من شهرين تقريباً، وذلك بعد بنكي “سيلكون فالي” و”سيغنيتشر“، الأمر الذي اعتبره مشاركون بالمؤتمر “يشكل تهديداً على الائتمان”، و”يفاقم التباطؤ الاقتصادي” بالولايات المتحدة الأميركية، وفق تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.

ورغم أن فشل بنك فيرست ريبابليك المتعثر قد أدى إلى تهاوي أسهم البنك في تعاملات الاثنين، إلا أنه “لم يتسبب في نفس الدرجة من الفوضى التي خلفها انهيار كل من سيلكون فالي وسيغنيتشر بالسوق”، الأمر الذي أدى إلى ارتياح نسبي بين المديرين التنفيذيين الماليين ومسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن.

قالت إدارة الحماية المالية والابتكار في كاليفورنيا الاثنين “إن المنظمين سيطروا على بنك فيرست ريبابليك. وعينت الإدارة المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع جهة استلام للبنك. وقالت إنها قبلت عرضاً من بنك جي بي مورغان تشيس وغيره لضمان جميع الودائع، عقب فشل مساعي إنقاذ البنك المتعثر”.

  • ▪ قالت مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية في بيان: “لحماية المودعين، تدخل المؤسسة في اتفاقية شراء واستحواذ مع جي بي مورغان تشيس وناشونال اسوسييشن وكولومبوس وأوهايو لتولي جميع الودائع وجميع أصول بنك فيرست ريبابليك”.
  • ▪ جاءت هذه الصفقة بعد فشل بنك فيرست ريبابليك في التوصل إلى خطة إنقاذ عملية، وذلك جراء خسارته نحو 100 مليار دولار من الودائع في الربع الأول من العام، وهو ما أدى إلى هبوط أسهمه. وتجاوزت خسائر سهم البنك خلال الأسبوع الماضي فقط الـ 90 بالمئة.

وجادل عديد من المستثمرين البارزين، يوم افتتاح المؤتمر، الاثنين، في سياق تنبؤاتهم بارتدادات أزمة “فيرست ريبابليك ” الأخيرة، بأن “البنوك سوف تضطر للامتثال لقواعد أكثر صرامة” ومن شأن تلك القواعد إعاقة قدرة البنوك على الإقراض، وذلك في الوقت الذي بدأ فيه الاقتصاد الأميركي يشعر بالتأثير الكامل للارتفاعات الشديدة لأسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي.

الرئيس التنفيذي لشركة PGIM، ديفيد هانت، قال في كلمته للحاضرين في Milken: “هناك ميل قليل إلى تنفس الصعداء الآن”، مشيراً إلى الانعكاسات المحتملة على الاقتصاد الأميركي تبعاً للتطورات الأخيرة المرتبطة ببنك “فيرست ريبابليك “.

وتابع: “أولاً وقبل كل شيء، سوف نشهد تصعيداً حقيقياً لقواعد النظام المصرفي، وخاصة على المقرضين الإقليميين”، معتبراً أن تأثير تلك القواعد الجديدة “سيكون مقيداً للغاية”، على حد تعبيره.

ويفسر ذلك بقوله: “إن تلك القواعد تقود إلى مزيد من إعاقة الائتمان”، مردفاً في الوقت نفسه: “أعتقد بأننا سنشهد تباطؤاً حقيقياً يبدأ في الحدوث”.

من جانبه، فإن الرئيس التنفيذي لشركة إنفستكورب، ريشي كابور، قد حذّر من “ظروف مالية مقيدة” تتسبب فيها تلك الأوضاع الراهنة وبعد فشل “فيرست ريبابليك بنك”.

بينما حذَّرَ آخرون من أن التضخم اللزج (التضخم المصحوب بالركود) يعني أن البنك المركزي الأميركي لديه مجال أقل للمناورة إذا توقف الاقتصاد، مشيرين إلى آمال بعض المستثمرين وتوقعاتهم فيما يخص اتجاه بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة هذا العام بعد إقرار زيادة متوقعة بواقع 25 نقطة أساس في اجتماعه هذا الأسبوع.

لكن ذلك الأمر معرض لـ “خيبة أمل” طبقاً لتعبير كبيرة مسؤولي الاستثمار في شركة بريدجووتر أسوشييتس العملاقة لصناديق التحوط، كارين كارنيول تامبور، لدى حديثها عن توقعات المستثمرين بأن الفيدرالي الأميركي سوف يتجه لخفض أسعار الفائدة مرتين قبل نهاية هذا العام.

  • رفع الفيدرالي أسعار الفائدة بواقع 475 نقطة أساس في تسع زيادات خلال عام منذ مارس 2022، في سياق معركته ضد معدلات التضخم التي سجلت العام الماضي مستويات غير مسبوقة منذ الأزمة المالية العالمية.
  • طبقاً لبيانات مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي “بي سي إي”، بلغت مستويات التضخم 4.2 بالمئة خلال مارس (بتراجع واسع نسبياً عن معدلات شهر فبراير التي سجلت5.1 بالمئة) وبما يشكل “أدنى مستوى منذ عامين”.
  • التضخم الأساسي (الذي لا يشمل أسعار المواد الغذائية والطاقة)، تراجع إلى 4.6 بالمئة خلال عام، مقابل 4.7 بالمئة الشهر السابق.

وفي غضون ذلك، تحدثت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا عن “التراخي” الذي كان سبباً في إخفاقات البنوك الأميركية، وقالت: “نحن نعلم أنه كان هناك تحرير غير ضروري.. والآن رأينا الثمن الذي يجب دفعه.. لقد رأينا أن الإشراف لم يكن على قدم المساواة”.

وذلك في إشارة إلى أثر إعفاء البنوك الصغيرة من اللوائح الصارمة وتخفيف القواعد التي يتعين على البنوك الكبرى اتباعها، بعد القانون الذي وقعه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في مايو 2018، وهو قانون “النمو الاقتصادي والإغاثة التنظيمية وحماية المستهلك”، الذي أسقط ضوابط مهمة من قانون دود-فرانك الذي تم إقراره في العام 2010 لمعالجة الاختلالات التي أدت لوقوع الأزمة المالية العالمية في 2007-2008.

كما حذرت جورجيفا من أن الوتيرة السريعة لعمليات تشغيل البنوك الأميركية الأخيرة، والتي كانت تغذيها قدرة المدخرين على نقل الأموال عبر الإنترنت بنقرة واحدة “ستتطلب الكثير من الإجراءات التنظيمية الجديدة”، مشيرة إلى أهمية “التفكير في كيفية التعامل مع هذا الأمر”.

  • أحدث تقرير للفيدرالي الأميركي خلص إلى أن المركزي الأميركي “لم يقدر جدية أوجه القصور الحرجة في إدارة البنك والسيولة ومخاطر أسعار الفائدة” أثناء تضاعف حجم أصول بنك سيليكون فالي بين 2019-2021، في خضم طفرة التكنولوجيا الفائقة.
  • دعا تقرير الفيدرالي إلى مزيد من الرقابة المصرفية، مقرّاً بإخفاقاته فيما يتعلق بانهيار بنك سيليكون فالي الشهر الماضي.

ومع ذلك، قال بعض المتحدثين في المؤتمر إن الاضطرابات الأخيرة أظهرت “المرونة الشاملة للبنوك الأميركية”. وهو ما أكدته الرئيسة التنفيذية لسيتي غروب، جين فريزر، بقولها: “عندما نعود خطوة إلى الوراء وننظر إلى هيكل النظام المالي الأميركي، يكون الأمر سليماً بشكل لا يصدق”.

وأشارت في هذا السياق إلى المحاولة السابقة “غير الناجحة” لإنقاذ “فيرست ريبابليك” من خلال إيداع مؤسستها وبنوك أخرى 30 مليار دولار لدى البنك المتعثر، وهي المحاولة التي منحته شريان حياة لبعض الوقت، مُعلقة: “كنا في وضع يسمح لنا بالقيام بذلك، وهو أمر يجب أن يشعر به الجميع براحة لا تصدق”.

  • كانت مجموعة تضم 11 مصرفا بينها “بنك أوف أميركا” و”سيتي غروب” و”جيه بي مورغان” قد أعلنت في مارس الماضي عن إيداع ما مجموعه 30 مليار دولار في “فيرست ريبابليك“.
  • جاء في بيان مشترك حينها لمسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية ووكالة تأمين الودائع الفيدرالية ومكتب مراقبة العملة أن “هذا الدعم الذي تقدّمه مجموعة من المصارف الكبرى محل ترحيب، ويظهر متانة النظام المصرفي”.

سيلكون فالي وفيرست ريبابليك

وفي السياق، رصد مختصون في تصريحات متفرقة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” تنبؤاتهم للارتدادات المحتملة للاضطرابات المصرفية بالولايات المتحدة الأميركية.

يقول الأستاذ الزائر بجامعة فلوريدا الأميركية، جاي ريتر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، كان بنكا سيلكون فالي وفيرست ريبابليك “غير عاديين”، من ناحيتين:

  • أولاً: كان كلاهما يعاني من عدم تطابق كبير بين حجم أصولهما والتزاماتهما، وبالتالي قد خسرا الكثير عندما ارتفعت أسعار الفائدة العام الماضي (في ظل سياسة الفيدرالي الأميركي لكبح جماح التضخم).
  • ثانياً: كانت لدى كل منهما ودائع قليلة نسبياً من الأشخاص العاديين (المودع النموذجي الذي لديه أقل من 250 ألف دولار من الودائع، وبالتالي فإن تلك الودائع مؤمنة)..بينما كان لدى البنكين الكثير من الودائع “الساخنة” من الشركات والأفراد الأثرياء، وتبعاً لذلك كانوا عرضة للهلع المصرفي (وبالتالي سحب ودائعهم).

وينبه في الوقت نفسه إلى أنه “لدى سيتي غروب أيضاً مستوى منخفض من الودائع الثابتة، لكنه لم يخسر الكثير من الأموال على الأصول طويلة الأجل”.

ولا يعتقد بأن ثمة “أزمة مصرفية واسعة النطاق”، حتى أنه فيما يخص بنك كريدي سويس، فقد كان “يتراجع ببطء لفترة طويلة. وعلى مدى العقد الماضي كانت أرباحه التراكمية سلبية”.

ويتابع الاستاذ بجامعة فلوريدا: “كانت الانهيارات المصرفية الأخيرة بمثابة إشارة تحذير للبنوك الأخرى والمنظمين، لذا فهم سيغيرون سلوكهم”.

ومع ذلك، وطبقاً للاقتصادي الأميركي، فإن هناك مبعث قلق واحد بالنسبة لبعض البنوك الأخرى، فبسبب نمو “العمل من المنزل” انخفضت قيمة بعض مباني المكاتب، كما أن نمو التسوق عبر الإنترنت قد أضر بتجار التجزئة التقليديين “للطوب والملاط”، وبالتالي فإن قروض العقارات التجارية تواجه بعض التخلف عن السداد، وهذه الحقيقة سوف تضر بربحية بعض البنوك.

  • كان بنك فيرست ريبابليك يصنف الـ 14 بين أكبر بنوك الولايات المتحدة بحجم الأصول في 2022.
  • مع أصوله التي بلغت 233 مليار دولار في نهاية مارس، يعد البنك ثاني أكبر مصرف يفلس في تاريخ الولايات المتحدة – باستثناء البنوك الاستثمارية مثل ليمان براذرز – بعد إفلاس واشنطن ميوتوال في العام 2008.

المخاطرة المفرطة سعياً وراء الأرباح

من جانبه، يلفت الاستاذ بقسم المالية في جامعة بوسطن، مارك ويليامز، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن سقوط “فيرست ريبابليك بنك” الذي يحتل المرتبة 14 من حيث الحجم في الولايات المتحدة، وهو ثالث بنك ينهار في الشهرين الماضيين، يدل على استعداد بعض البنوك للمخاطرة المفرطة؛ سعياً وراء الأرباح.

لكن الأكاديمي المتخصص في إدارة مخاطر الائتمان والتشغيل، يشير في الوقت نفسه إلى أن:

  • سقوط هذه البنوك منعزل، ولا يمثل النظام المصرفي الأميركي الأكبر والأكثر صحة.
  • فشل بنك فيرست ريبابليك بسبب سوء إدارة المخاطر، والاعتماد المفرط على أي مودعين من مؤسسة التأمين الفيدرالية والتعرض المفرط للأوراق المالية الحساسة لسعر الفائدة.

ويشدد على أن انهيار هذه البنوك يعد حدثاً منفرداً وفريداً لعدد قليل من البنوك التي تأخذ مجازفة مفرطة والتي سُمح لها بالخروج عن سيطرة الإدارة والمستثمرين والمنظمين قبل فوات الأوان، مستعبداً بذلك إمكانية حدوث “تأثير الدومينو” فيما يخص الأزمة الراهنة.

ورداً على سؤال حول مدى تأثير أزمة تلك المصارف على ثقة المستثمرين في القطاعات المصرفية واتجاهاتهم الاستثمارية في ظل عمليات سحب الودائع المتتالية من البنوك الصغيرة، يشير الاستاذ بقسم المالية في جامعة بوسطن، إلى أن “بعد الانهيار الدراماتيكي لسيلكون فالي وسيغنيتشر وفيرست ريبابليك بنك، فإذا لم يتم فحص البنوك وتنظيمها عن كثب، فإن ذلك يمكن أن يخلق مخاطر نظامية خطيرة”.

الأزمة لم تنته

على الجانب الآخر، يشير الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أبوبكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أنه رغم استحواذ “جي. بي. مورغان” على معظم أصول بنك “فيرست ريبابليك”، إلا أن أزمة القطاع المصرفي الأميركي “لم تنته بعد” وأن “الأسوأ قادم”، على حد تعبيره.

وعلى اعتبار أن عملية إنقاذ بنك فيرست ريبابليك (الذي شهد سهمه تراجعاً بنسبة تجاوز الـ 90 بالمئة عقب عمليات سحب الودائع بأكثر من 100 مليار دولار في الربع الأول) تمثل ثالث عملية إنقاذ لمصرف أميركي، فيُتوقع إجبار أزمات انهيارات البنوك للاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة بعد ذلك رغم معدلات التضخم المرتفعة، فضلاً عن إخضاع البنوك لقواعد أكثر صرامة قد تعوق قدرتها على الإقراض في ظل قدرة المودعين على سحب أموالهم بسرعة فائقة إلكترونياً.

ويتوقع في الوقت نفسه أن تفرض الأزمات البنكية الحالية “قواعد أكثر صرامة” من قبل منظمي البنوك بالولايات المتحدة (وكالة تأمين الودائع الفيدرالية والإدارة الوطنية للاتحاد الائتماني)، موضحاً أن خفض وكالة موديز للتصنيف الائتماني تقييمها للنظام المصرفي الأميركي من مستقر إلى سلبي ” يمثل ضربة قاسية للاقتصاد الأميركي، ولمستقبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وبما ينذر بتراجع شعبيته، خاصة فيما يتصل بإدارة الملف الاقتصادي”.

كما يتوقع إصدار تقارير سلبية أخرى من المؤسسات الدولية المالية بشأن النظام المصرفي بالولايات المتحدة، وفي ضوء السياسات النقدية التي تتم من خلالها معالجة أزمة التضخم برفع أسعار الفائدة المتكرر، لا سيما أن سبب أزمة انهيار المصارف الأميركية يعود إلى “قرارات استراتيجية خاطئة لمسؤولي البنوك نفسها، وكذلك السياسات النقدية التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي”، متوقعاً أن يؤثر ذلك على القرار المرتقب للفيدرالي الأميركي، لجهة خفض أو تثبيت أسعار الفائدة، على حد تقديراته.





Source link