تمرد الفلاحين الذي زلزل ألمانيا.. ومارتن لوثر دعا لإبادتهم


مع بداية الثورة الصناعية، عاشت العديد من المناطق الأوروبية والأميركية على وقع تحركات احتجاجية عمالية بسبب تدني ظروف العمل وتدهور المعيشة. وفي الغالب، طالب العمال بتحسين ظروفهم عن طريق تحديد عدد ساعات العمل اليومية بثمانية ساعات ورفع أجورهم.

من جهة ثانية، أسهمت الثورة الصناعية في توسع الفجوة بين مختلف طبقات المجتمع الأوروبي. فمع تدهور ظروف العمال، تحسنت معيشة مالكي وسائل الإنتاج والبورجوازيين الذين عاشوا حياة البذخ والرفاهية. وبينما اتخذت الاحتجاجات العمالية طابعا سلميا بعدد من المناطق، شهدت مناطق أخرى أعمال عنف أسفرت عن سقوط ضحايا. فعقب تحرير الأقنان بروسيا، غاصت البلاد بدوامة عنف أسفرت عن اغتيال العديد من كبار المسؤولين وانتهت باضمحلال الإمبراطورية وقيام الاتحاد السوفيتي عقب نجاح الثورة البلشفية.

تمرد الفلاحين الذي زلزل ألمانيا.. ومارتن لوثر دعا لإبادتهم

لوحة تجسد توماس مونتزر

إلى ذلك، شهدت أوروبا قبل الثورة الصناعية احتجاجات اجتماعية عديدة كان الفلاحون أبطالها. ففي القرن السادس عشر، اهتزت الإمبراطورية الرومانية المقدسة على وقع ثورة الفلاحين التي سرعان ما تحولت لحرب أسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى.

بداية احتجاجات الفلاحين

وفي الأثناء، مثلت حرب الفلاحين أبرز ثورة شعبية شهدتها أوروبا خلال الفترة التي سبقت الثورة الفرنسية عام 1789. وقد اندلعت شرارة هذه الحركة الاحتجاجية بين الفلاحين بمنطقة بادن (Baden) خلال شهر حزيران/يونيو 1524 قبل أن تنتشر بشكل سريع نحو مناطق ألمانية عديدة تابعة للإمبراطورية الرومانية المقدسة، وموجودة بكل من ألمانيا والنمسا حاليا، كشوابيا (Swabia) والتيرول (Tyrol) وتورينغن (Thüringen) وكارينثيا (Carinthia) وهسن (Hessen) وبعض أراضي كانتونات سويسرا.

جاء هذا التمرد، الذي تصادف مع فترة عصر الإصلاح الذي قاده الراهب مارتن لوثر، ليجسد رفض الفلاحين للسياسة الإقطاعية ومعاناتهم من اضطهاد الأسياد. وطالب الفلاحون بتخفيف الضرائب وتحقيق المساواة وحرية اختيار رجال الدين بمناطقهم ومجتمعاتهم وحق ممارسة الصيد بالأنهار والأراضي التي يعملون بها ووضع خطط للإصلاح الاجتماعي والإداري والتعليمي.

رسم تخيلي للفلاحين المتمردين

رسم تخيلي للفلاحين المتمردين

ومع اعتناقهم لمبادئ الإصلاحات اللوثرية وتذمرهم من اضطهاد رجال الكنيسة والنبلاء، حمل الفلاحون السلاح لتتوسع انتفاضتهم نحو جنوب وشرق ووسط الإمبراطورية الرومانية المقدسة. وأثناء هذه الاحتجاجات، هاجم الفلاحون الدير والكنائس ونهبوا محتوياتها كما عمدوا أيضا لمهاجمة قصور النبلاء لإحراقها عقب الاستيلاء على الأثاث والمجوهرات الموجودة بداخلها.

100 ألف قتيل

في أثناء هذه الثورة، استولى الفلاحون على عدد من المدن الألمانية كإرفورت (Erfurt) وأولم (Ulm). ويوم 16 نيسان/أبريل 1525، هاجمت مجموعة فلاحين، بقيادة جاكلين روهرباخ (Jäcklein Rohrbach) قصر وينسبرغ (Weinsberg) وأعدمت عددا من النبلاء تواجد ضمنهم لودفيغ هيلفنشتاين (Ludwig of Helfenstein) الذي تمتع بشعبية كبيرة بالأوساط الأوروبية.

عقب هذه الحادثة، أدارت شخصيات عديدة ظهرها لثورة الفلاحين الألمان. وقد كان من ضمن هذه الشخصيات مارتن لوثر الذي دعا لحملة عسكرية لإبادة الفلاحين المتمردين.

بالفترة التالية، قادت كل من إمارة براونشفايغ-فولفنبوتل (Brunswick-Wolfenbüttel) ولاندغريفية هسن (Landgraviate of Hessen) وساكسونيا وشوابيا حملة عسكرية لقمع الفلاحين المتمردين بمناطق وسط ألمانيا الحالية.

وعقب معارك ضارية، ألحقت قوات التحالف هزيمة ساحقة بالفلاحين خلال شهر أيار/مايو 1525 عند منطقة تورينغن. وبهذه المعركة، قتل قائد ثورة الفلاحين توماس مونتزر (Thomas Müntzer) لتشهد هذه الحرب نهايتها بشكل رسمي.

على حسب مصادر تلك الفترة، أسفرت هذه الحرب، التي استمرت لنحو عام، عن مقتل ما لا يقل عن 100 ألف من الفلاحين المتمردين، فضلا عن ذلك، صفحت سلطات الإمبراطورية الرومانية عن عدد من الفلاحين المتمردين الناجين وسمحت لهم بالعودة لأراضيهم مقابل دفعهم لغرامات مالية باهظة.



Source link