بهذا العام.. احتجاجات عمالية دامية ضربت فرنسا


مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وجد العالم نفسه أمام بداية صراع جديد تمثل في الحرب الباردة بين دول المعسكر الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ودول المعسكر الشرقي التي تزعمها الاتحاد السوفيتي.

وفي خضم هذا النزاع، اتجهت الولايات المتحدة لدعم حلفائها عن طريق إقرار مشروع مارشال، أو خطة مارشال (Marshall Plan) التي اتجه من خلالها الأميركيون لإنفاق ملايين الدولارات لدعم إعادة إعمار دول غرب أوروبا، الحليفة لواشنطن، ما بعد الحرب العالمية الثانية.

فقد وضعت هذه الخطة حينها من قبل رئيس هيئة الأركان الأميركي جورج مارشال الذي أقنع زملاءه عام 1947 بضرورة دعم إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي.

وفي خضم هذه الأجواء، عاشت فرنسا عام 1947 على وقع اضطرابات شعبية دامية قادها أساساً العمال الرافضون للظروف المعيشية السيئة، ما أسفر حينها عن خسائر بشرية ومادية فادحة.

تخفيض حصص الخبز وبداية الإضراب

إلى ذلك، اندلعت الاحتجاجات والإضرابات بفرنسا يوم 25 نيسان/أبريل 1947 بأحد مصانع مؤسسة رينو (Renault)، التي أممتها الدولة بمنطقة بولوني بيانكور، وخلال الليلة التي سبقت بداية الاحتجاجات، اتخذت الحكومة الفرنسية قراراً بتخفيض الحصة الفردية اليومية من الخبز لنحو 250 غراما بسبب الأزمة الاقتصادية والغذائية التي مرت بها البلاد.

في الأثناء، اندلعت الاحتجاجات بطلب من عدد من الفوضويين والشيوعيين التروتسكيين، أنصار فكر تروتسكي، من أمثال بيار بوا (Pierre Bois). وبادئ الأمر، رفض الحزب الشيوعي الفرنسي مساندة هذه الاحتجاجات.

وجاء هذا الرفض بسبب مشاركة الحزب الشيوعي بالحكومة الفرنسية التي ضمت في صفوفها الاشتراكيين والمسيحيين الديمقراطيين.

بهذا العام.. احتجاجات عمالية دامية ضربت فرنسا

جانب من المحتجين بفرنسا عام 1947

لكن رغم معارضة الحزب الشيوعي، شارك بهذا الإضراب الأول حوالي 10 آلاف عامل ممن تذمروا من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، ونسبة التضخم، وغياب الزيادة بالأجور.

وأملاً في إنهاء هذا الإضراب، وافقت الحكومة الفرنسية على رفع أجور العمال المضربين بمصنع رينو بنحو 3 فرنكات، كما اتجهت لمنحهم مكافآت تراوحت قيمتها بين 900 و1600 فرنك.

23 مليون يوم عمل

وعلى الرغم من هذه الإجراءات، سجلت الإضرابات العمالية انتشارها نحو العديد من المدن الفرنسية حيث تحدث المضربون عن نسبة تضخم بلغت 60 بالمائة، وتذمروا من نظام الحصص الغذائية والمشاكل التي ألمت بقطاع الطاقة بالبلاد.

وعقب طرد وزرائه من حكومة رئيس الوزراء بول رامادييه (Paul Ramadier) يوم 5 أيار/مايو 1947، اصطف الحزب الشيوعي الفرنسي لجانب العمال المضربين.

وعلى إثر ذلك، امتدت الإضرابات نحو كامل أرجاء البلاد لتشمل مؤسسات كبرى كسيتروين (Citroën) وبيجو (Peugeot) وبيرلييه (Berliet) وميشلان (Michelin). أيضاً، شهدت شركة السكك الحديدية الفرنسية والقطاع البنكي إضرابات واحتجاجات مماثلة شلت البلاد.

وبحلول شهر حزيران/يونيو 1947، عاشت فرنسا على وقع احتجاجات إضافية لمعارضي مشروع مارشال الأميركي الذي أدانه الاتحاد السوفيتي.

جانب من القوات الفرنسية أثناء تدخلهم ضد اضراب عمال المناجم

جانب من القوات الفرنسية أثناء تدخلهم ضد اضراب عمال المناجم

فوضى عارمة

وعقب انتصار حزب تجمع الشعب الفرنسي بالانتخابات المحلية، عاشت فرنسا خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1947 على وقع حالة من الفوضى العارمة.

واندلعت الاحتجاجات بادئ الأمر بمرسيليا التي شهدت اجتياح المحتجين لمقر البلدية وقصر العدالة وإحراق العديد من الحانات والمتاجر. وبسانت إتيان (Saint-Étienne)، تسلح عشرات الآلاف من العمال بأسلحة بيضاء وهاجموا رجال الأمن على مدار أيام، وأسفر ذلك عن سقوط مئات الجرحى من كلا الطرفين.

صورة لرئيس الوزراء بول رامادييه

صورة لرئيس الوزراء بول رامادييه

من ناحية أخرى، لم يتردد العديد من المتعصبين الشيوعيين في تخريب خطوط السكك الحديدية ببعض المدن الفرنسية متسببين بذلك في تعطيل شبكة المواصلات.

إلى ذلك، تراجعت وتيرة الفوضى بفرنسا بداية من يوم 4 كانون الأول/ديسمبر 1947 عقب تمرير الحكومة الفرنسية لقانون أمن الجمهورية وحرية العمل. وبالأيام التالية، دعا الحزب الشيوعي الفرنسي العمال المضربين للعودة للعمل وإنهاء الإضراب العام بالبلاد.

وبحسب التقارير الفرنسية، شارك بالإضرابات عام 1947 ما لا يقل عن 3 ملايين عامل. وبسبب الإضرابات وأعمال الشغب، خسرت فرنسا أكثر من 23 مليون يوم عمل عام 1947 مقارنة بنحو 374 ألف يوم عام 1946.



Source link